مع كل أزمة، يتكيف البشر لإيجاد الحلول، بالاعتماد على رصيد تجاربهم، واستخدام عبقرياتهم، للتغلب على آثار الأزمة والحماية من مخاطرها. وهكذا توفر الأزمة فرصة لتعزيز حماية الفضاءات والمجتمعات، مع إعادة ابتكار حلول جديدة٠ يتم تثبيت هذه الحلول بشكل دائم، كليًا أو جزئيًا، فتنعكس عنها تغييرات عميقة في أنماط الحياة والحوكمة. وكلما زادت حصانة الفضاءات والمجتمعات، زادت قدرتها على الصمود

لكن ما الذي تغير؟

لمكافحة انتشار الوباء، يركز الحل بالإجماع على التباعد الاجتماعي والعزلة والتزام قواعد النظافة

في السياسة، تعود إلى الحياة الحدود التي ماتت منذ زمن في عصر العولمة، وخاصة فيما تعلق بحركة البضائع، إن التراجع نحو الداخل (البلدان والمدن والمساكن، وما إلى ذلك، حسب الحجم)، كوسيلة وقائية، يؤكد أكثر من أي وقت مضى على دور الحدود في حماية الفضاءات والمجتمعات.

في السياسة أيضًا، فقدت العولمة التي أشاد بها الكثير من مصداقيتها وفعاليتها، عندما سقطت أخلاقياتها، في اول اختبار لها على وقع أزمة الكورونا. غاب التضامن بين البلدان، وأحيانًا في نفس الفضاء (الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، وما إلى ذلك)٠اغتصاب وتحويل شحنات معدات الحماية على مسارها أصبح عملية روتينية تمارسها بعض الدول الكبرى والمتقدمة٠ القبول الانتقائي في مراكز العلاج المستعجل ضد وباء الكورونا على أساس السن والتضحية بمن بلغ السبعين وذلك لتجاوز الطلب على العلاج قدرات المستشفيات، إلخ.

من حيث الحوكمة، تواجه حكومات العالم الأزمة بارتجال سريع لحلول لإدارة الأزمة ومكافحة انتشار الفيروس وتعتمد على منهجية المتابعة عن قرب لتطورات الأزمة ومرونة فائقة في اتخاذ القرارات ويظل التحدي الأكبر هو تخفيض منحنى انتشار الوباء في الزمن لحماية نظام الرعاية الصحية من الإرهاق إذا تجاوزت الحاجة إلى الرعاية قدرة المستشفيات.

 ومن أهم الأدوات المستعملة لإدارة الأزمة : تفعيل خلية إدارة الأزمات؛ وتواصل الحكام بشكل منتظم يومي مع المواطنين عبر الإعلام؛ و متابعة تطور الأمور باستمرار؛ ومراقبة انتشار الفيروس في حينه؛ ومرونة في صنع القرار بما يتماشى مع الأحداث واتخاذ التدابير في حينها؛ و التأطير القانوني؛ و التنظيم الأمني؛ و إدارة الحشود؛ و تنظيم نشاط المتاجر والخدمات العمومية؛ تطبيق وإدارة الحجر الصحي على مستوى المدن والأقاليم؛ وتقديم الدعم الاقتصادي للمؤسسات والأفراد؛ والإدارة الصارمة لقطاع الصحة والحرص على تموينه بالمعدات؛ وإشراك الشركات الخاصة في تصنيع معدات الوقاية؛ وتنظيم النشاط العام وإدارة التوازنات بين الخدمات الأساسية وإمكانية العمل عن بعد، وما إلى ذلك٠ كلها اجراءات تغذي رصيد الخبرات وبالتأكيد سيتم تثبيتها جزئيا أو كليا لتعديل مسار الأشياء وأنماط الحكم٠

وفيما يتعلق بالأمن وجدت الحكومات مبررا في الضرورة التي تمليها الأزمة لتقييد الحريات وخرق الخصوصية وتكثيف المراقبة على حركة الأفراد والجماعات الآن وقد سهلت التكنولوجيا طرق المراقبة الآلية والمراقبة عن بعد: منع الحشود ومراقبة الوضع الصحي والحركة ومنع السفر وغلق الحدود، إلخ. هذه الممارسات ستضحي بالتأكيد بحق الناس في الحفاظ على الخصوصية وستعرضهم إلى مراقبة أكثر٠

ومهما يكن بات لزاما من الآن اعتماد منهجية تقييم المخاطر في تخطيط وإدارة المشاريع

٠ د٠ إبراهيم ابن يوسف

Laisser un commentaire